هل تعلم ان الكعبة بنيت خمس مرات
إحداهن: بناء الملائكة ، وسيدنا آدم وولده شيث
الثانية: بناء سيدنا إبراهيم.
الثالثة: بناء قريـش، والسبب في ذلك أن الكعـبة استـهدمت وكانت فوق القامة وأرادوا تعليتها،
وكان بابها لاصـقا بالأرض في عهـد إبراهيم وعهـد جرهم، إلى أن بنتـها قريش،
فـقال أبو حـذيفة بن المغـيرة: يا قوم: ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخلها أحد إلا بسلم،
فإنه لا يدخلها حينئـذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهونه رميتم به فسقط، وصار نكالا
لمن يراه. فرفعت بابها وجعلت لهـا سقـفا، ولم يكن لهـا سقف، وزادت ارتفاعها كما تقدم،
وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك خمسا وعـشرين سنة، وقيل: خمسا وثـلاثين،
فحضر البناء، وكـان ينقـل الحـجـارة مـعـهم كـمـا ثبت في الصحيح،
وتنافـست قريش فيمن يضع الحـجر الأسود موضعه من الركن،
ثم رضوا بأن يضعه النبي صلى الله عليه وسلم .
الرابعة: بناء عبـد الله بن الزبير، والسـبب في ذلك على ما ذكر السـهيلي
أن امرأة أرادت أن تجمـر الكعبة، فطارت شـررة من المجمـرة في أستارها فـاحتـرقت،
وقيل: طارت شررة من أبي قبيس فوقعت في أستار الكعـبة فاحـترقت،
فـشاور ابن الزبـير من حضـره في هدمهـا فهـابوا ذلك،
وقالوا: نرى أن يصلح ما وهى منها ولا تهـدم.
فقـال: لو أن بيت أحدكم احـترق لم يرض له إلا بأكمل إصـلاح،
ولا يكمل إصلاحـها إلا بهدمـها، فـهدمـها حتـى أفضي إلى قواعـد إبراهيم،
فأمرهم أن يزيدوا في الحفر، فحـركوا حجرا منها فرأوا لجته نارا وهولا أفزعهم،
فبنوا على القواعد.وفي الخـبر أنه سترها وقت حفـر القواعد، فطاف الناس بتلك السـتارة،
ولم تخل من طائف، حـتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشـتد الحرب، وشغل الناس حـينئذ،
فلم ير طائف يـطوف بها إلا جـمل! ثم بناها وألصق بابهـا بالأرض وعـمل لهـا خلفـا،
أي بابا من ورائها، وأدخل الحـجر فـيها، وذلك أن خـالته عـائشة رضي الله عنها
حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألم تر أن قـومك قـصرت بهم النـفقـة
حـين بنو الكعـبة، فاقـتصروا على قـواعد إبراهيم ثم قـال: لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتـها،
وجعلت خلفا، وألصقت بابها بالأرض وأدخلت فيها الحجر
فقال ابن الزبير: فليس بنا عجز عن النفقة، فبناها على مقتضى حديث عائشة.
وحكى أبو الوليـد الأزرقي أنه لما عزم على هدمـها، خرج أهل مكة إلى منى،
فأقاموا بها ثلاثا خوفا أن ينزل عليهم عـذاب لهدمهـا، فأمر ابن الزبير بهدمها،
فـما اجتـرأ على ذلك أحد، فـعلاها بنفـسه، وأخـذ المعول وجعل يهدمها ويرمي أحجارها،
فلما رأوا أنه لا يصيبه شيء صعدوا وهدموا، فلما تم بناؤها خلقها من داخلها وخارجـها
من أعلاها إلى أسفلـها، وكساها القباطي، وقال: من كـانت لي عليه طاعة فليـخرج فليعتـمر
من التنعيم، ومن قدر أن ينحر بـدنه فليفعل، ومن لم يقدر فليذبح شـاة، ومن لم يقدر عليهـا
فليتصدق بوسـعه. وخرج ابن الزبير ماشيا وخرج الناس مشاة فاعتمروا
من التنعيم شكرا لله تعـالى، فلم ير يوم أكثر عتـيقا وبدنة منحورة وشـاة مذبوحة
وصدقة من ذلك الـيوم، ونحر ابن الزبير مائة بدنة.
قال السهيلي: ولما قام عـبد الملك بن مروان في الخلافة قال: لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء،
يعني عبد الله بن الزبير، فـهدمها وأعادها على مـا كانت عليه
في عـهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ارتفاعها، ثم جاءه الحارث بن أبي ربيعة
المخزومي ومعه رجل آخـر، فحدثاه عن عائشة عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم بالحـديث
المتـقـدم، فندم وجـعل ينكث بمخـصـرة في يده الأرض ويقـول: وددت أني تركت أبا خـبيب
ومـا تحمل، وتولى البـناء في زمن عبـد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي،
وهو البناء الخامس
الموجود الآن والذي هدمه الحجاج هو الزيادة وحدها،
وأعاد الركنين، وسد البـاب الذي فتحه ابن الزبير، وسده بين إلى الآن، وجـعل في الحجر
من البيت دون سـبعة أذرع، وعلامة ذلك فـي داخل الحجر لوحان مرمر منقوشان متقابلان
في الحجر، وصار عرض وجهها - وهو الذي فيه الباب - أربعة وعشرين ذراعا.
وقيل أن الكعبة بنيت مرتين آخـرتين غير الخمس، إحداهما بناء العمالقة بعد إبراهيم،
والثانية بناء جرهم بعد العمالقة.
قال السهيلي: إنما كان ذلك إصلاحا لما وهى منه، لأن السيل قد صدع حائطه،
وكـانت الكعبة بعد إبراهيم عليه السلام مع العمـالقة وجرهم إلى أن انقرضـوا،
وخلفتهم فيها قـريش بعد استيلائهم على الحـرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة،
وكان أول من جدد بناءها بعد إبراهيم قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل.
وروى الطبراني عن أبي سعيـد الخدري مرفوعا أن أول من جـدد الكعبـة بعد كـلاب بن مرة
قـصي. وحكى السهيلي أن أول من اتخذ للكعبة غلقا تبع، ثم ضرب لها عـبد المطلب
بابا من حـديد، وهي الأسياف القلعـية التي كـانت مع الغـزالين الذهب،
وهو ما استـخرجـه عبد المطلب من بئر زمزم كما احتفرها بعـد ما طمها الحـارث بن مـضاض،
لمـا أخـرج الله جـرهم من مكة بسبب إحـداثهم في الحرم، واستـخفافـهم بالحرم،
وبغي بعضهم على بعض، فتغور ماء زمزم، وعمد الحارث إلى مـا كان عنده من مـال الكعـبة،
وفـيه غـزلان من ذهب وأسيـاف قلعيـة كان ساسـان أهداها إلى الكعبـة، وقيل سـابور،
وجـاء تحت الليل ودفن ذلك في زمزم وعـفى عليها ولم تزل دارسة حتى حفرها عبد المطلب،
واستخرج ذلك كما هو مذكور في موضعه.
واتخذ عبد المطلب من الغزاليـن المذكورين حلية للكعبة، فهو أول ذهب حليت به الكعبة،
فلما جاء الإسلام، وآلت الخلافة إلى الوليد بن عـبد الملك، بعث إلى واليه على مكة
خالد بن عبد الله القسري بستة وثلاثين ألف دينار، فضرب منها على باب الكعبة صفائح الذهب،
وعلى الميزاب وعلى الأساطين التي في جوفهـا،
وعلى الأركان، وهو أول من ذهب البيت في الإسلام.
وذكر السـهيلي أن الذي عمله الوليد هو مـا كان من مائدة سليمان بن داود عليهما السلام
من ذهب وفضة، حمل إليـه من طليطلة من جزيرة الأندلس وكـانت لها أطواق
من زبرجد وياقـوت، وكانت قد احـتملت على بغل قوي فتفسخ تحتها.
ثم لما آلت الخـلافـة إلى الأمين رفع إليـه أن الذهب الذي عـمله الوليـد قـد رق،
فـأرسل إلى عامله على ضواحي مكة سـالم بن الجراج بثمانية عشر ألف دينار
ليضـربها صفائح على بابـا الكعبة، فقلع مـا كان على الباب من الصفائح
وزيد عليهـا ثمانية عشر ألف دينار، وضرب الصفائح والمسامير وحلق الباب والعتبة،
فالذي كان عليه من الذهب ثلاثة وثلاثون ألف مثقال.
ثم جـدد البـاب الشـريف في الأيام الزاهرة الملكيـة الناصرية سقي الله عهدها
عمل بمصـر ومصحفا بالفضة وأنا كتبت نسـخة ما كتب عليه،
وجـهز به الناصري أحد الحجاب في ذلك الوقت.
قـال الأزرقي: وعـمل الوليـد بن عبـد الملك الرخـام الأبيض والأخضر والأحـمر في جوفها
فوزر بهـا جدرانها وفرشها بالرخام، فجـميع ما في الكعبة من الرخام هو من عمل الوليـد،
وهو أول مـن فـرشـهـا بالرخـام وأزر به جدرانها،
قلت: ثم تقلع غالب ذلك، وغالب ترخيمها وما فيهـا الآن من آثار المظفر يوسف بن عمـرو
رسول صاحب اليمن واسمه بالرخام داخل الكعبة
حيث يصلي المصلي بين العمودين تجاه وجهه في الجدار المتصل بالركن اليماني.
منقوول